السبت، يونيو 25، 2011

زنى العين فى المسيحية





27 «قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. 28 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ. ( متى 5 : 27 )

الزنا

وبعد أن أنهى الرب الوصية السابقة، ورفعها إلى مستوى الذات، فإنه يتقدم في الحديث وفي الترتيب منتقلاً بشكل يتفق مع الوصية التالية، وهو هنا أيضًا يطيع الناموس.

وقد يقال، مع ذلك فهذه ليست الثانية، بل الثالثة، لأن الأولى ليست هي "لا تقل"، بل "الرب إلهنا رب واحد" (تث 6: 4)، لهذا فإنه أمر جدير بالاستفسار أيضًا، لماذا لم يبدأ بتلك، ولماذا جاءت بعدها؟

ذلك لأنه قد بدأ من هنا. ولابد أن يوسع من دائرتها ويجمعها في نفسه مع أبيه، لكن لم يحن الوقت بعد ليعلِّم الناس مثل هذا الأمر عن نفسه. وأيضًا كان يمارس لبرهة تعليمه الأخلاقي فقط، قاصدًا من هذا أولاً، وكذلك من معجزاته أن يقنع السامعين أنه ابن الله.

فإن قال على الفور: "سمعتم إنه قيل للقدماء" أو "أنا الرب إلهكم، لا يكون لكم إله غيري" لكني أقول لكم اعبدوني مثلما تعبدونه، لو كان قال ذلك قبل أن يعمل شيئًا أو يتحدث بشيء، لجعل الجميع يظنون إنه مجنون فهم قد وعوا أن به شيطان (يو 8: 48)، حتى بعدما سمعوا تعليمه ورأوا معجزاته العظيمة وحتى دون أن يصرح لهم بلاهوته علنًا. فكيف لو حاول أن يقول شيئًا من هذا القبيل قبل كل ما فعله، لقالوا فيه ما لم يقولوه قبلاً ولظنوا فيه ما لم يظنوه.

لكن الرب يحجز تعليمه حول موضوعات بعينها في الوقت المناسب، ليجعل تعليمه مقبولاً من الجميع. لهذا السبب فإنه قد تجاوزها بسرعة، وبعد أن كان يؤسس تعاليمه بمعجزاته وبتعليمه الفائق، بدأ فيما بعد يكشفها بالكلمات أيضًا، وكشف عن الأسرار في الحاضر باستعلان معجزاته وطريقة تعليمه ذاتها، وهكذا وفي حين حسن وبالتدريج وبشكل هادئ. وبدأ يشرح القوانين الجديدة والتي صاحبتها تصويبات الناموس بسلطان، ليقود سامعيه ويرشدهم بالتدريج إلى عمق تعليمه إن كانوا منتبهين ومتفهمين لما يقول. لكن الكتاب يقول: "كان يعلمهم كمن له سلطان، وليس كالكتبة" (مت 7: 28)


2. وبسلطان عظيم يليق بمشرِّع الناموس يقدم الرب الشهوة؛ فهي التي تسيطر على جوانحنا الطبيعة وبقوة، وهي السبب في آلامنا التي تخص جنسنا البشري كله. وها هو يصدر بشأنها أوامره الحازمة والصارمة، فإنه لم يقل لعقوبة الزاني وحسب، بل ما يفعله مع القاتل، يفعله هنا بالمثل في عقاب النظرة الشهوانية غير العفيفة، ليعلمكم أن لديه من التعليم ما هو أكثر من الكتبة في أي موضع من مواضع التعليم. ولهذا يقول: "من ينظر إلى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه". أي كل من يجعل شغله الشاغل الالتفات إلى الأجساد المثيرة ويتصيد الملامح الجميلة،(الجملة ناقصة المعنى) لأن المسيح جاء ليحرر النفس مع الجسد من الأعمال الشريرة، ولأننا نقبل نعمة الروح القدس في القلب، فإن الرب يطهر قلوبنا أولاً. ورب سائلٍ، "كيف نتحرر من الشهوة؟"

أجيب أولاً، بالإرادة تموت الشهوة فينا أو تبقى خاملة بلا نشاط. والمسيح لا ينتزع الشهوة منا تمامًا، بل تلك الميول الشهوانية التي تثيرها النظرات، لأن من ينشغل برؤية المفاتن المثيرة هو الذي يوقد أتون الشهوة الجسدية فيقع أسيرًا لها، وسرعان ما تتحول الشهوة فيه إلى حيز التنفيذ. لهذا لم يقل: كل من يشتهي ليرتكب الزنا، بل كل من نظر بشهوة.

وفي حالة الغضب تمييزًا خاصًا قائلاً: "بلا سبب" و"باطلاً" لكن الرب هنا يستأصل الشهوة مرة وإلى الأبد. ومن المعروف يقينًا أن الغضب والشهوة من الصفات الطبيعية للإنسان، وكلاهما موضوع فينا للمنفعة: فبالغضب نطارد الشر ونقوِّم السالكين بعدم استقامة، وبالشهوة ننجب نسلاً لنحفظ جنسنا البشري من الأمور الفائقة العظيمة، وتحتاج إلى كل اهتمامنا وإدراكنا. فالرب لم يقل ببساطة "كل من يشتهي" لأنه من الممكن للإنسان أن يشتهي حتى لو كان وحيدًا في الجبال، بل قال: "كل من ينظر بشهوة" أي ذلك الذي يشعل الشهوة في داخله، ذلك الشخص الذي لا يضطره أحد إلى ذلك، بل يأتي بالوحش الكاسر إلى فكره الذي كان هادئ من قبل، فليس من طبيعة الإنسان أن تهيِّج الأفكار، بل من تورط النفس في الشهوة الردية. وهذا ما يؤكده الكتاب المقدس في العهد القديم أولاً قائلاً: "لا تشته جمال امرأة قريبك" (جا 9: 8).

ولئلا يقول قائل: ماذا لو اشتهيت دون أن أقع في الأسر؟ إن الرب يعاقب النظرة الردية لئلا تقع أنت في الخطية، وأنت تظن أنك في مأمن منها.

ورُبّ قائل آخر: "ماذا لو نظرت واشتهيت فعلاً، لكن دون أن أفعل شرًا؟" حتى إن فعلت ذلك، فأنت محسوب من الزناة، لأن مشرِّع الناموس يقول ذلك، وليس من حقك أن تطرح أية أسئلة أخرى، لأنك إن نظرت مرة أو مرتين أو ثلاث لاستطعت أن تضبط نفسك، لكنك إن كنت تفعل ما تفعله باستمرار وتُشعل أتون الشهوة فإنك ساقط لا محالة؛ لأنك لا تفوق طبيعة البشر فأنت منهم. ونحن إذا رأينا طفلاً يمسك سكينًا، نضربه أو ننتهره حتى لو لم يؤذي نفسه بها، ونمنعه من أن يكرر ذلك مرة أخرى أبدًا. هكذا يفعل الله معنا، إذ ينتزع منا النظرة الردية، حتى قبل الفعل، لئلا نسقط في أي وقت؛ لأن من يشعل مرة لهيب الشهوة، حتى وإن غابت عنه المرأة التي نظر إليها، فإنه يصنع في عقله خيالات مستمرة لأمور مخزية، ينتقل بسببها إلى ذات الفعل، لهذا ينزع السيد المسيح الفكر الذي يحتضنه القلب.

فما القول فيمن يعيشون مع عذارى ويشاطرونهن المسكن؟ ألا يكونوا بموجب سلطان هذا القانون مذنبين آلاف المرات بالزنا، فهم يرونهن كل يوم وينظرون إليهن بشهوة، لهذا السبب فإن أيوب المبارك (أي 31: 1) يرسي قانون منذ البداية ليسد كل جوانب التحديق في العذارى، لأن جهاد النفس ضد النظر أمر عظيم، إذ يحرم الإنسان نفسه من مصدر اللذة، ونحن لا نجني مسرة أبدًا من النظر، بل نقع في خطأ تزايد الرغبة، فنجعل خصمنا أقوى، ونوفر للشيطان مجالات أوسع ولا نقوى على طرده، إذ أتينا به إلى عمق أعماق كياننا الداخلي، وتركنا له عقلنا مفتوحًا على مصراعيه.

لهذا يقول الرب يسوع: "لا تزْن بعينك ولا تقترف إثمًا بعقلك"، بل النظرة الشهوانية، لأنه لو لم يكن يعني ذلك، لقال ببساطة: "من نظر إلى امرأة" واكتفى بهذا القول، لكنه أضاف "ليشتهيها" أي كل من ينظر ليمتِّع نظره؛ لأن الله لم يخلق عينيك لهذا الغرض أبدًا، أي لكي تكون سببًا في الزنا، بل لتعاين بها مخلوقاته وتُمجد الخالق. ومثلما يشعر الإنسان بالغضب عشوائيًا دون مقصد، هكذا يمكنه أن ينظر عشوائيًا وبلا تعمد، وهذا عكس ما يفعله حين ينظر بشهوة. فإن كنت ترغب في النظر للمتعة، انظر إلى امرأتك – خاصتك – وأحببها على الدوام، فما من ناموس أو قانون يحرِّم عليك ذلك. لكن إن كنت تلهث في فضول خلف محاسن الأخريات، فإنك تؤذي زوجتك، لا تدع عينيك تتجولان في كل مكان، وتؤذي مشاعر من ينظر إليها بشهوة. إذ تتلامس معها على خلاف الناموس. حتى وإن لم تلمسها باليد، فقد تحرشت بها بعينك (حرفيًا: عانقتها وقبلتها) (caressed)، لهذا يحُسب ما تفعله زنا. وعاقبة هذا الجرم الفادح ليست هينة؛ إذ يمتلئ صاحب هذا الأمر بالاضطراب والانزعاج ويسقط في دوامة تجربة شديدة، ويصير ألمه عنيفًا، ولا شيء من قيود العالم وسجونه أقسى من قيود العقل. وحتى إن مضت التي أطلقت سهم الشهوة الأليمة، يبقى الجرح ولا يزول. أو بالحري ليست هي التي أطلقت السهم، بل أنت الذي أصبت نفسك بجرح مميت – نظرتك الشهوانية غير العفيفة - أقول هذا لأعفي السيدات المحتشمات من المسؤولية.

لأنه من المؤكد أن إحدى النسوة قد تخرج لتلفت الأنظار والعيون إليها، فتسبب للناس في الطريق عثرة السقوط في النظر، حتى وإن لم تصدم المارين في الطريق، فإنها تسبب في إنزال أقصى العقوبة بهم، لأنها خلطت السم وأعدت الشراب المسموم، وحتى إن لم تقدمه في قدح، أو بالأحرى كانت قد قدمت الكأس المسمم ولكنها لم تجد من يشرب من يدها.
تفسير القديس يوحنا ذهبى الفم

هناك تعليق واحد:

  1. عرفنا بصمة الأصبع كعلامة مميزة لشخصية صاحبها وعرفنا منذ آدم لم تتشابه بصمتان حتى بين ابناء البطن الواحدة وحتى بين التوأم واليوم نعرف أن للأسنان بصمة وكذلك للشفتين بصمة وللإذن بصمة وللصوت بصمة وللعين أيضا بصمة..بل إن البروتين الذي تتكون منه خلايانا له في كل منا بصمة والكرات البيضاء في دمائنا هي الأخرى مدموغة ومبصومة بعلامات مميزة على سطحها بحيث يتميز كل واحد فينا بماركة وهوية ينفرد بها . وهذا التوكيد من الخالق على فردية كل واحد منا هو دليل على أصالة الفردية وأنها غير قابلة للذوبان ولا يصح لها أن أن تذوب في المجموع ، إلا إذا قرر صاحبها أن يضحي بها ويتنازل عنها ويذيبها فعلا في مبدأ أو رسالة أو هدف شريف أو غير شريف ، وإن هذه الفردية هي أمانتنا وأننا مسئولون عنها يوم القيامة ولاعذر لمن يتعلل بالتبعية ولاحجة لمن يقول :
    (إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ) الاعراف.
    (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ) الزخرف.
    فكل هذه الحجج باطلة وكل هذه الأعذار لاتقبل لأن الله أفرد كل واحد فينا باءرادة حرة جعل لها علوا على البيئة والظروف وعلى الجماعة لا يغلب هذه الإرادة الفردية غالب إلا إذا تنازل عنها صاحبها طوعا واختار عدم الأختيار ..وآثر التقليد والتبعية وآثر أن يكون عجينة في يد غيره يشكله كيف يشاء ..وحينئذ لايحق له أن يقول : قهرني فلان .. فحجة الله حينئذ .. بل أنت الذي أعطيت له نفسك وأنت الذي أخترت عدم الإختيار .. وأنت الذي فرطت في الأمانة التي في عنقك ..والأمانة في فردانيتك وخصوصيتك التي فطرت عليها ماديا ونفسيا وروحيا..
    سوف نلتقي بالله أفرادا لاجماعات
    (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا )مريم
    (وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا) مريم
    (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ )الأنعام
    إن هذا الموقف الهائل سيقف كل واحد منا وحده فردا منفردا أمام الله الفرد الصمد مصداقا للوحدانية المطلقة في المسئولية والوحدانية المطلقة في الحكم.(لمن الملك اليوم*لله الواحد القهار) غافر
    فرد أمام فرد ..إن خلق كل شيء كان بالحق وللحق وإن الحياة خلقت لتستمر بعد الموت في كيفيات لانعلمها وإن الرواية لن تنتهي بالموت بل سوف تتعد فصولا إلى مالانهاية حيث تكون الغاية هي اللقاء بالله في الإطلاق .(يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ )الإنشقاق.
    فالكدح سوف يتصل إلى مالا نهاية عروجا إلى الله في المطلق وتلك هي الهجرة التي أرادها الله لجميع الأنفس وما أشرفها وما أعظمها من هجرة وما أهون المشقات وما أهون عثرات الطريق إذا كان الموعد الله
    وهل بعد الله غاية؟
    تبارك الذي ليس كمثله شيئ .

    ردحذف