الأحد، سبتمبر 11، 2011

تعاليم روحانية ووصايا مقدسة للانبا انطونيوس- ابو الرهبان


تعاليم روحانية ووصايا مقدسة
للقديس العظيم أب جميع الرهبان الطوباني
أنبا أنطونيوس، بركاته تحفظنا جميعاً آمين.
من أجل الفضيلة الحسنة والهدوء والتحفُّظ
والاستماع والطاعة في كل شيء، وفيما يختص بالرهبنة
1 - يا بُنيَّ، قبل كل شيء لا تحسب نفسك شيئاً، فهذا هو والد الاتضاع. والاتضاع يلد التعليم، والتعليم يلد الإيمان، والإيمان يلد الرجاء، والرجاء يلد المحبة، والمحبة تلد الطاعة، والطاعة تلد الثبات بلا تزعزع.
2 - يا بُنيَّ، تعرَّ من الشر والبِسْ الوداعة. اطرح عنك العين الخبيثة واتخذ لك عيناً بسيطة. لا تتشبه بمن هو أضعف منك، بل بمن هو مختارٌ أكثر منك. لا تَخفْ من شتائم الناس. لا ترغب في أن تُعرَفْ في شيء من أعمالك. ابْغِضْ كل شيء يكون فيه خُسرانٌ لنفسك. لا تتركْ مشيئة الله وتصنع إرادة الناس. لا تِنُمّ ولا تشتم أحداً. لا تحسد من يتقدّم بالظلم، بل اجعل جميع الناس أعلى منك لكي يكون الله معك.
3 - يا بُنىَّ، لا ترجع إلى ورائك فيما ابتدأتَ به من الأعمال الصالحة. لا تمَلّ من محبة الله. اصبر في كل ما تريد أن تصنعه، فإذا صبرتَ يعضدك الله في كل ما تريد أن تصنعه الآن وفيما يأتي. لا ترجع إلى ورائك في طريق وحدتك. ابغِض الحديث الباطل في كل شيء لهذا العالم. اجعل لك اهتماماً عظيماً بالفضيلة وهو الذي يصيِّرك غير غافل. فإذا عملتَ بذلك، يا ابني، فإنك ترث ما لم تره عين ولم تسمع به أُذن ولم يخطر على قلب بشر.
4 - احتسب مَنْ هو دونك في الفضيلة أنه مختارٌ ومساوٍ لك في الفضيلة، والذي هو مساوٍ لك في الفضيلة أنه مختارٌ وأفضل منك في النمو.
5 - يا بُنيَّ، لا تضجر من الأفكار التي تأتى عليك في قلايتك، واعلم أن الرب لا ينسى شيئًا من أتعابك، وأن منها يكون لك النمو، ونعمة الله تعضدك.
6 - يا بُنيَّ، ليكن القوم الذين أحبوا الرب بكل قلوبهم وداموا في العمل صورةً لك ومثالاً، ولا تَسْتحِ أن تطلب منهم (كلمة منفعة) لحياتك لأنهم قد تكمَّلوا في الفضيلة. لا تتشبّه بالذين يداومون على نياح هذا العالم، لأنهم لا يتقدّمون أبداً، بل تشبّه بالذين عاشوا تائهين في الجبال والبراري من أجل الله، لكي تأتى إليك القوة من العلا ويطيب قلبك في كل شيء تصنعه بحسب مشيئة الله. لا ترجع إلى ورائك في شيء من هذه الوصايا الإلهية، والرب يسوع المسيح يعطيك نياحاً فتكمِّل كل ما ابتدأتَ به من الأعمال الصالحة بسلامة، لأن آباءنا الكاملين ومَنْ ماثلهم بهذه قد كملوا.
7 - يا بُنيَّ، لا تُكثِر الكلام فتُبعِد روح الله منك. ولا تتمسَّك بشيء من الشر، ولا تدِنْ أحداً.
8 - يا بُنيَّ، لا تمشِ مع المستكبرين، بل امشِ مع المتواضعين.
9 - يا بُنيَّ، لا تكن مرائياً ولا كذاباً.
10 - يا بُنيَّ، لا تتكلم بغضب بل ليكن كلامك بحكمة ومعرفة، وكذلك سكوتك أيضاً، لأن آباءنا الحكماء كان كلامهم مملوءًا من الحكمة والتمييز، وكذلك سكوتهم.
11 - يا بُنيَّ، لا تُزكِّ نفسك عند الناس، بل كن في ذاتك حكيماً وديعاً طويل الروح كثير الأناة مجتهداً محبًّا للبشر. احزن مع أخيك وكن له شريكاً صالحاً.
12 - يا بُنىَّ، كن متواضعاً جميع أيام حياتك. وتمسَّك بكل شيء حسن. ولا تسأل عن الأشياء الرديئة، بل اِجعل طريقك بعيداً عنها. وليكن كلامك بحلاوةٍ بلا خسارة، لأن المجد والهوان هما من قِبَل الكلام. أَحْبِب الرحمة وتذرَّع بالإيمان.
13 - يا بُنيَّ، لا تجعل قلبك رديئاً حتى يفكّر في الشر، بل اجعله صالحاً، واطلب الصلاح واقتنِ غيرةً في جميع الأعمال الحسنة. لا ترفع صوتك، وإذا مضيتَ إلى أحد فليكن خوف الله في قلبك، واحفظ فمك لترجع إلى موضعك بسلام. لا تُكثِر الكلام عند مَنْ هو أكبر منك.
14 - يا بُنىَّ، أَحْبِب آباءك الروحانيين الذين يهتمون بك من أجل الله أكثر من محبتك لآبائك الجسدانيين.
15 - يا بُنيَّ، إذا جلستَ في وسط الإخوة لا تُكثِر الكلام، وإذا سُئلتَ منهم عن أمر فقُلْه باتضاع.
16 - يا بُنيَّ، إذا شُتمْتَ فلا تُبغِض شاتمك، بل قُلْ: إني مستحقٌ أن أُشتَم من جميع الإخوة. وإذا أتى إليك أحدٌ من الإخوة في أمر فواضِعْ ذاتك في كل شيء، واسمع له من أجل الله ولا تتكبَّر. وإذا رتَّبك أبوك لخدمة المرضى فاخدم بكل قلبك لتنال الأجر مضاعفاً من الله: لسماعك (أي لطاعتك) ولخدمتك. وإن وبَّخك أحدٌ بسبب خطية وأنت بريءٌ منها فتواضع لتنال الإكليل.
17 - لا تنُصِت لكلام الشر، بل كن محبًّا للناس فتحيا. لا تجازِ شراً بشرٍّ ولا الشتيمة بشتيمةٍ، لأنه مكتوبٌ: ”إذا أنت لم تنتصر لنفسك فأنا أنتصر لك، قال الرب“.
18 - يا بُنيَّ، لا تكن مستكبراً ولا تفتخر ولا تصرخ بصوتك ولا تتكلم بسرعة لأنه مكتوبٌ: مَن كَثُرَ كلامه لا يخلص من خطية (انظر أم10: 19).
19 - يا بُنيَّ، لا تُبغض أحداً من الناس، بل أحِبُّهم جميعاً كنفسك لأنه مكتوبٌ: «أحِبّ قريبك كنفسك».
20 - يا بُنيَّ، اُذكر من يكلِّمك بالتعليم الصالح واحفظ وصاياه فتحيا ويطول عمرك في إرادة الرب كما هو مكتوبٌ في رسائل الرسول بولس: «اِدرس في هذه الأمور وتشاغل بها لكي يكون تقدُّمك ظاهراً لكل أحد» (انظر 1تى13:4-15).
21 - يا بُنيَّ، المسـكنة هي القناعة، والغربة هي أن تجمع ذاتك من الكثيرين، والسياحة هي الثبات في القلاية.
22 - يا بُنيَّ، اجعل لك تعباً قليلاً بجسدك في قلايتك. وليكن قلبك متضعاً، وفمك ينطق دائماً بالحق.
23 - يا بُنيَّ، أحِبّ الشتيمة أكثر من الكرامة، وأحِبّ التعب الجسداني أكثر من الراحة، وأحِبّ خسارة الدنيويات أكثر من الربح.
24 - أيها الأمين المختار، ما دمتَ كائناً في الطاعة فاعرف ما يُقال لك وتمسَّك به واعمل بمقتضاه. وإذا اجتمعتَ بالأمناء أمثالك فاِختَر لنفسك السماع واعرف ما يقال، وذلك أفضل من الكلام.
25 - الرجل المحب للَّذَّات هو غير صالح في الأعمال. إذا كنتَ بغير خطية فتكلّم باسم الرب، وعلِّم الذين يُفتَرى على اسم الرب بسببهم لأنهم موتى عن الرب، لكي يرجعوا عن أعمالهم وينالوا الكرامة من الرب.
26 - يا بُنيَّ، كرامةٌ عظيمةٌ هي أن تتمسَّك بالسكوت وتتشبّه بسيدنا المسيح، لأن بيلاطس تعجَّب منه (مر5:15).
27 - يا بُنيَّ، كل ما تريد أن تفعله ولا يمكنك أن تعرِّف الله به فلا تفعله.
28 - يا بُنيَّ، لتكن نفسك كائنة مع الله في كل وقت، وجسدك على الأرض كائناً كالصورة والمثال.
29 - يا بُنيَّ، نفاقٌ عظيمٌ هو أن تُحزِن إنساناً وتترفَّع عليه.
30 - يا بُنيَّ، ليكن لسانك تابعاً لعقلك، لأن الكلام بدون تعقُّل هو شوكٌ وحسكٌ.
31 - يا بُنيَّ، لا ينبغي أن تعلِّم أحداً شيئاً قبل أن تعمل به أولاً. فكِّر في أعمال الله ولا تكسل، لأنّ صلاة الكسلان كلامٌ باطل. اجتهد أن تبتعد من الناس العادمي الرأي. إذا صنعتَ أعمالاً فاضلةً، فلا تفتخر وتقول إني صنعتُها، لأنك إن ظننتَ أنك صنعتَها فلستَ بحكيم. عارٌ عليك أن تأمر غيرك بأوامر لم تُتمِّمها في ذاتك، لأنك لا تنتفع بعمل غيرك. الرجل الحكيم يعرف طريق سلوكه فلا يبادر بالكلام، بل يتأمل فيما يقول وما يفعل. أما الرجل القليل الأدب فلا يحفظ ما يُقال له من الأسرار.
32 - يا بُنيَّ، لا تُظهِر كلمتك لمن لا يعرفها. واجعل سائر الناس أحباءً، لكن لا تجعلهم كلهم مشيرين، بل اتخذ لك قبل كل شيء تجربةً (أي اختبار). لا تجعل كل الناس أصدقاء، وإن صاروا لك أصدقاء فلا تأمن لهم كلهم، لأن العالم قد ثبت في المكر. لكن اجعل لك أخًا واحدًا يخاف الرب والتصق أنت بالله وحده مثل ابن مع أبيه، لأن الناس بأجمعهم يسلكون بالغش ما خلا النذر اليسير منهم، والأرض قد امتلأت من الباطل والأتعاب والأحزان. فإن كنتَ، يا بُنيَّ، تحب المعيشة في الهدوء فلا تختلط مع المهتمين بالباطل. وإن صرتَ في وسطٍ فيه اختلاط بكثيرين فكن كمن هو ليس مختلطاً بهم إن كنتَ تحب أن تُرضى الله.
33 - يا بُنيَّ، تعبَّد للمسيح وهو يخلِّصك ويعتقك. والعمل الجيد الذي تشتهى أن تعمله لا تتكلم به فقط بل كمِّله بالفعل. لا تحب اللَّذَّات لأن كل من يحب اللَّذَّات لا يسمع له الرب. اذكر أن مناقصك قد كثرت جداً وشبابك قد عبر، وقد جاء الأوان الذي تفارق فيه (الجسد) وتعطى جواباً عن أعمالك. واعلم أن أخاً لن يفدى أخاه وأباً لا يخلِّص ولده.
34 - يا بُنيَّ، اجعل قلايتك سجناً لك، لأنه قد فنيَ الظاهر منك والباطن، وقد قرب وقت انحلالك من هذه الحياة. ليكن لك تواضعٌ في كل شيء: في إسكيمك ولباسك وجلوسك وقيامك ومشيك وموضع مرقدك وقلايتك وأوانيها، وفى كل سيرتك اتخذ زِىَّ المسكنة. لا تفتخر في كلامك ولا في تسبيحك وترتيلك واجتماعك بقريبك، ولا يكن كلامك بتصنُّع.
35 - يا بُنيَّ، إن مُدحتَ من أجل أعمالك فلا تفرح وتتلذّذ بذلك، بل اِخفِ أعمالك ولا تدَعْ أحداً يذكرها، واجتهد أن لا تُمجَّد من الناس.
36 - يا بُنيَّ، لا تُبكِّت أحداً بسرعة لأن هذه سقطةٌ لك، بل اذكر خروجك من هذا الجسد في كل وقت، ولا تنسَ الدينونة الأبدية، فإنك إن فعلتَ هكذا فلن تعود تخطئ. لأن آباءنا الروحانيين قالوا: إن الوحدة هي الدرس (أي الهذيذ) في ذكر الموت والهروب من كل أمور الجسد.
37 - يا بُنيَّ، استعمل المأكولات الحقيرة. وإذا انتابك غضب، فاطرحه عنك بسرعة ليدوم فرحك إلى الانقضاء. أتضرَّع إلى الشباب والشيوخ ألاّ يتركوا الغضب يقوى عليهم.
38 - يا بُني، الشجاعة هي الدوام على الحق ومضادَّة الأعداء، لأن عدم طاعتك لهم تجعلهم يذهبون عنك ولا يوجدون بعد البتّة.
39 - يا بُنيَّ، الرجل الحكيم تظهر الحكمة على وجهه، فكن حكيماً وسِدّ أفواه الذين يقولون عليك الشر بصمتك عنهم. ولا تستعجب ممن يقولون عليك الشر فإن هذا من فعل الأعداء الخبثاء لكي يجعلوا الإنسان لا يدرك المعرفة.
40 - يا بُنيَّ، كن معتوقاً من البغضة، وحرِّر ذاتك من الشهوة والأفكار الرديئة، لأن يوحنا الرسول، الذي صار مسكناً للروح القدس، شبَّه كل اللَّذَّات البشرية العالمية بثلاثة أشياء بقوله المملوء حكمة: «إن كل ما في العالم إنما هو شهوة الجسد وشهوة العين وفخر العالم» (1يو2: 16). أما شهوة الجسد فهي إشباع البطن بكثرة المأكولات المختلفة التي لا يتبعها غير النجاسة. وأما شهوة العين فهي أعمال الإنسان الهيولية (أي الجسدانية) التي تتباهى العين بإتمامها. وأما فخر العالم فهو المجد العظيم الحاصل في العقول بالرتب الباطلة الزائلة.
41 - يا بُنيَّ، ازرع البرّ لتحصد ثمار الحياة. واستضئ بنور المعرفة لتنال (أو لتدرك) أجيال الأبرار، لأن هذا هو وقت تحصيل معرفة الرب.
42 - يا بُنيَّ، لا يُضلَّك فكر الافتخار إذ يقول لك إنك تستطيع أن تقتنى لك هدوءًا في الوحدة قبل تمام جهادك في الطاعة. لأن هذا هو الجيد للإنسان: أن يحمل نير الرب منذ صباه، ويخدم ويطيع، ويميل خدَّه لمن يلطمه، ويفرح بالتعيير ويتلذَّذ بالقماه (أي بالذل والمحقرة). إن ربنا يسوع المسيح لن يتخلَّى عنه أبداً. لأنه صالحٌ ومعينٌ للنفس الصابرة لأجله الطالبة إياه، فهو يقوّيها حتى تثبت في الهدوء. فهكذا، يا بُنيَّ، اصنع حتى تقدر أن تجلس في الهدوء وحدك وتصمت بسكون.
43 - يا بُنيَّ، افرح في الشدائد الآتية عليك لأن ثمرتها تابعة لها. لا تستلذّ بملذَّات العالم لئلا تموت موتاً رديئاً.
44 - يا بُنيَّ، أسرع وانتبه لئلاّ تضلَّ وتكسل وتتوانى فتكون حقيراً في الدهر الآتي. لأنه مكتوبٌ: ”الويل للمتوانين، فإن آخرتهم قد اقتربت وليس لهم معين ولا رجاء خلاص“.
45 - يا بُنيَّ، مُتْ كل يوم لكي تحيا، لأن كل من يخاف الرب يحيا.
46 - يا بُنيَّ، لا تنسَ الأتعاب التي احتملتَها لأجل الفضيلة فتكسل وتتوانى وتضلَّ في الساعة الأخيرة، بل أحِب الرب إلى المنتهى وأنت تنال الرحمة.
47 - يا بُنيَّ، لا تبتعد من الله لأجل الزائلات، بل اذكر ما قرَّرتَه في وقت قوة حرارتك. ولا تنسَ الختم الذي تطهرتَ به أولاً، أعني إسكيمك، بل اذكر دموع التوبة وتلك الطلبات التي طُلبَتْ عنك، واسرع وابتعد من الأفكار الخبيثة لئلاّ تضلَّ علانية.
48 - يا بُنيَّ، حَمِّ سريرك كل ليلة وبِلّ فراشك بدموعك، واتضع أمام المسيح لكي يمحو خطاياك ويجدِّدك ويعينك في الأعمال الصالحة ويورِّثك ملكوته السرمدي. هذا الذي ينبغي له التسبيح والإكرام والتمجيد والتقديس والسجود مع أبيه الصالح وروحه القدوس، الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور، آمين.
كمل بمعونة الرب نسخ هذه الرسائل والتعاليم التي للقديس العظيم أنبا أنطونيوس. وذلك نقلا عن المخطوطة (م23) بدير القديـس أنبا مقار،
وهى منقولة عن النسخة الأصلية القديمة التي نصَّ كاتبها على أنه نقلها
من اللسـان القبطي الصعيـدي إلى اللسان العربي في آخر سنة 986 للشهداء الأبرار (الموافقة لسنة 1270م) بدير القديس أنبا أنطونيوس بجبل العربة.

هناك تعليق واحد: